الخميس، 19 يونيو 2014

المقامة العيّاديّة فى حالة الحب الجامعية

الـمَـقـَامَـةُ الـعَـيَّـادِيَّـة
فِـى
حـَالَـةِ الـحُـبِّ الـجـَامِـعِـيَّـة

لابن أبى عَيَّاد
أحمد بن عادل القاهِرِىّ
المولود سنة ؟؟؟؟ هـ

جَلَسَ جَمْعٌ مِنَ الطُّلاَّب، فى صَمْتٍ وَشَجَنٍ وَاكْتِئَاب، يَنظُرونَ إلى الحَرَم، فى حُزنٍ وأَلمَ، وَقَد امتَلأتِ السَّاحَات، بالطَّلَبَةِ وَالطَّالِبَات، بَعضُهُم لِبَعْضٍ مُحِبُّون، ومِن فِعلِهِم لاَ يَستَحُون.

فَقَالَ أَحَدُهُم لآخَر: مَا لِى أَرَى هَذا يَتَفَاخَر، وَيَبتَسِمُ فى زَهْو، وَيَقضِى وَقتَهُ فى اللَهْو؟ ألأنَّ لَهُ زَمِيلَةً صَاحِبَة، وَهِىَ عَنْهُ لَيْسَت رَاغِبَة؟ أم لأنَّهَا شَدِيدَةُ الجَمَال، تُحَرِّكُ المَشَاعِرَ وَالخَيَال؟

فَرَدَّ عَلَيْهِ أحَدُ الجَالِسِين، وَنَحْسَبُهُ مِنَ الصَّالِحِين: أَهُوَ الحِقدُ والضِّيق، أم مَاذا يَا صَدِيق؟ أرَاكَ تُرِيدُ أنْ تَكُونَ كَهَذا الفَتَى الَّذِى يَمرَحُ وَيَلْهُو حَيْثُ أتَى! ألِهَذا جِئنَا إلى الجَامِعَة؟ ألاَ تَمنَعُهُم مِن ذَلِكَ مَانِعَة؟

فَرَدَّ وَاحِدٌ يَلبَسُ السَّوَاد، وَيَبْدُو عَلَى وَجْهِهِ الحِدَاد: وَلِمَ لا نَسْتَمتِعُ كَغَيْرِنا مِنَ الشَّباب؟ لِمَ لا نَكُونُ مُخطِئينَ وَهُم عَلَى صَوَاب؟ لَوْ أنَّ لِى زَمِيلةً حَبِيبَةً لاحتَفَلْتُ مَعَها بِهَذا العِيد، وَلَكُنتُ أسْعَدَ إنْسَانٍ وَغَيْرَ ذَلِكَ لَمْ أَكُن لأُرِيد!

فَتَعَجَّبَ البَاقُون، وَأخَذُوا يَتَغَامَزُون! ألِهَذا تَلْبَسُ السَّوادَ يَا ابْنَ أبِى عَيَّاد؟ أتَرَكَتْكَ فَتَاتُك أَمْ مَاذا؟ أتُعلِنُ الحِدادَ لهذا؟

فَرَدَّ عَلَيْهِم جَمِيعًا، قَائلاً لَهُم سَرِيعًا: إنَّكُم لَمُخطِئون، وَلَسَوْفَ تَعْلَمُون؛ فَحِيْنَ يَأسِرُ الحُبُّ قُلوبَكُم، فَسَوفَ يُلْغِى عُقولَكُم، ويُحِيلُكُم إلى مُسَاقِيْن، وَعَن وَعيِكُم غَائِبِيْن، تَتْبَعُون مَن تُحِبُّون، وَعَن أعْيُنِهِم لا تَحِيدون، فَإلَيْهِم تُهْرَعُ نُفُوسُكُم، وبِهِم تَحْلو أيَّامُكُم، وَلا تَنْوُونَ عَنْهُمُ ابتِعَاد، وَتُسرِعُونَ إِلَيْهِم بِلا اتِّـئاد.

فَسَألَ سَائلٌ عَلَى استِحْيَاء: وَمَاذا إذا حَلَّ البَلاء؟ مَاذا إذا تَشَاجَرَ الطَّرَفَان، وَأخَذا فِى فِكْرِهِما يَخْتَلِفَان؟ أَلاَ يُؤَدِّى هَذا إلى ضِيقٍ وَاكتِئاب؟ أَلَيْسَت هَذِهِ حَالُ مُعظَمِ الأَحبَاب؟ أَلاَ تَعرِفُونَ مَرَارَ الفِرَاق، والحَنِينَ لأيَّامِ الأشْوَاق؟

فَنَظَروا إلَيْهِ فى استِنْكار، وَقَد بَدا فى صَوْتِهِ المَرَار. فَمِن نَفْسِ الكَأسِ قَد ذَاق، وَعَرَفَ حَلاوَةَ فَمَرَارَ المَذَاق. إنَّ لِلحُبِّ لَعَلامَات، وَإنَّ لِلبُعدِ لآهَات. وَإنَّ لِلحَبِيبِ لَمَنْزِلَةً وَمَكَان، وَإنَّ لِرَأيِهِ لاستِجَابَةً أيًّا كَان.

فَقَالَ زَمِيلٌ مُلتَحٍ، فى صَوتٍ شَجِىٍّ وَهِن: مَا لَكُم تَخْتَلِفُون، وَعَن الصَّوَابِ تَحِيدُون؟ أبِهَذا اليَوْمِ تَعتَرِفون؟ أم بِعِيدِ الحُبِّ تُؤمِنُون؟ لا يَنْبَغِى لَنَا أَنْ نَنْسَاقَ خَلْفَ هَؤلاَء، فَمَا ذَاكَ إلاَّ خِزْىٌ وَأَذَىً وابتِلاَء. أَلاَ تَرَوْنَ الجامِعَةَ غَارِقَةً فى الاحمِرَار؟ إنَّ ذَلِكَ لَلَوْنٌ مِن أَلوَانِ النَّار!

فَغَلَّفَهُم صَمْتٌ مَهِيب، وَلَفَّهُم حُزْنٌ كَئِيب. وَنَظَرُوا مِن حَوْلِهُم مُجَدَّدَا، فَلَم يَسُرُّهُم مَا قَد بَدَا، فَجَعَلوا يَتَسَاءلُون: كَيْفَ يَغْفَلُ الأَهْلُون؟ كَيْفَ تَرْجِعُ إحْدَاهُنَّ بِهَدِيَّةٍ مِن صَدِيقِهَا؟ وَمَاذا تَقُولُ لأهْلِهَا حِينَ تَدخُلُ بِهَا إلى بَيْتِهَا؟ وَمِن أَيْنَ يَأتِى الطَّالِبُ بِالنُّقودِ لِشِرَاءِ هَدِيَّةٍ لِحَبِيبَتِه؟ وَلماذا يُهَنِّئُهُ زُمَلاَؤهُ عَلَى خَيْبَتِه؟ إنَّ فى انعِكَاسِ الأَحوَالِ لآيَة، وإنَّ فى الجامِعَةِ لَكَثِيرًا مِنَ الهَدَايَا!

وَلَمْ يَجِدُوا بُدًّا مِنَ الرَّحِيل، فَلَمْ يَكُنْ لَهُم عَن ذَلِكَ بَدِيل، فَلا مَكَانَ لَهُم وَسْطَ هَذِى الجُمُوعِ الغَفِيرَة، وَلا فَائِدَةَ لَهُم مِن مُشَاهَدَتِهِم الهَدَايا الوَفِيرَة؛ فَقَامُوا كُلٌ إلى بَيتِهِ يَسِير، مُنْحَنِى الرَّأسِ وَلِحُزْنِهِ أَسِير.

وَلَكنَّهُم عَادُوا بَعدَ حِيْن، مُسْتَبشِرِينَ فَرِحِيْن، فَقَد أيْقَنُوا أنَّهُم عَلَى صَوَاب، فَحَمَدُوا اللهَ ربَّ الأرْبَاب، وَإلى المَسْجِدِ تَوَجَّهُوا كُلُّهُم مَعًا، وَدَعَوا رَبَّهُم أنْ أذْهِبْ عَنَّا الحَزَن، فَلَم يَبْقَ مِنَ الحُزْنِ شَىْءٌ فى نُفُوسِهِم، بَل امتَلأتْ بِالسَّعَادَةِ جَمِيعُ قُلوبِهِم، وَقَالوا إنَّنَا عَلَى الحَقِّ مَهمَا قِيلَ، فَيَا زُمَلاءُ صَبْرًا جَمِيلاَ، عَسَى اللهُ أنْ يُفَرِّجَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِن غَمٍّ وَكَرْب، وَأنْ يُبْعِدَ عَن قُلوبِنَا تِلْكَ الحَرْب، وَيَهْدِيَنَا إلى صِرَاطِهِ المُستَقِيم، وَيَرْزُقَنَا اتِّبَاعَ المَنْهَجِ القَويم.

وَهَكَذا خَرَجُوا مِنَ الجامِعَة، وَنُفُوسُهُم بِمَا قَدْ حَدَثَ قَانِعَة، فَلَم يَنْظُروا إلى المُحِبِّين، وَتَرَكُوهُم فى غَيِّهِم لاَهِيْن...



أحـمـد عـادل عـيَّـاد
مدينة نصر - القاهرة
فى
الثامن مِن صَفَر 1429 هـ
الموافق
الخامس عشر مِن فبراير 2008 م

____________________

شكرٌ خاصٌ جدًا لزميلتى «عليا زُهير» وللأستاذة الدكتورة «سلمى» والدتها، أستاذة اللغة بقسم اللغة العربية بآداب القاهرة، ولزميلى «صدّام / ديكنز»، لمعاونتهم إيَّاىَ على المراجعة والتدقيق اللُغَوِىّ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق